قبيل بدء المحادثات الأمريكية الإيرانية رفيعة المستوى المقررة اليوم فى سلطنة عُمان، شنت الإدارة الأمريكية حربا نفسية على إيران.
من قرأ أو تابع التصريحات الأمريكية، اعتقد أن واشنطن ليست فى وارد الحوار بل توجيه الأوامر. تفكيك كامل للبرنامج النووى الإيرانى، وإلا ضربة ساحقة تقضى عليه، وربما على الحكومة الإيرانية نفسها.
مايكل والتز مستشار الأمن القومى الأمريكى لخص رؤية إدارته قائلا:« إذا لم تنجح المحادثات ستكون إيران فى خطر كبير.. سيكون يوما سيئا للغاية بالنسبة لها.
هذه المرة لن تكون المعاملة بالمثل، كما كان الأمر فى عهدى أوباما وبايدن».
ما الذى يجعل واشنطن تتبنى هذا الموقف الذى لا يحفظ ماء وجه الطرف الآخر، ويصوره على أنه فى وضع لا مفر له من الاستسلام؟ رفع سقف المطالب أسلوب تفاوضى معروف.
إدارة ترامب تمارسه مع بقية الدول. فرضت تعريفات جمركية على الجميع تقريبا، وحذرت من مجرد الرد بالمثل أو أقل من ذلك، ثم تراجعت وجمدته ٣ شهور. لكن الوصول بالمطالب إلى الحد الأقصى مع إيران مقصود. هناك ما يشبه الثأر الشخصى معها.
ترامب اتهمها سابقا بمحاولة اغتياله. مسؤولو إدارته يعتقدون أنها فقدت أوراقا تفاوضية كثيرة. نظام الأسد انتهى.
حلفاؤها فى غزة ولبنان واليمن، تعرضوا (أو يتعرضون) لنكسات شديدة. الوضع الاقتصادى الداخلى صعب.
تراجع حاد فى قيمة الريال الإيرانى وتدهور معيشى كبير وارتفاع فى نسبة بطالة الشباب.
يتصور ترامب أن الوقت مناسب لحل المعضلة الإيرانية مرة واحدة وللأبد. تفكيك كامل للبرنامج النووى على غرار السيناريو الليبى.
فى عام ٢٠٠٣، قرر العقيد القذافى التخلى عن طموحاته النووية على أمل بدء عهد جديد مع أمريكا (التى كانت فى حالة جنون عقب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١)، وللحفاظ على حكمه.
من المفارقات أن ذلك لم يمنع سقوطه بعد ٨ سنوات. إسرائيل، التى فُوجئت على ما يبدو بالمحادثات، تحبذ بقوة هذا السيناريو. نيتنياهو صرح بأنه «إذا أمكن تنفيذ ذلك دبلوماسيا، كما حدث فى ليبيا، سيكون أمرا جيدا».
لكن الأمور ليست بهذه البساطة. إيران مختلفة عن ليبيا. رغم تراجع أوراقها التفاوضية، لايزال فى جعبتها أوراق أخرى.
برنامجها النووى حقيقى وليس دعائيا. كما أنها قطعت شوطا مهما فى تطويره، بشهادات الخبراء وحتى وكالة الطاقة الذرية.
الأهم، أن ضرب إيران ومفاعلها لن يكون نزهة. الحديث هنا عن دولة، قد نتفق أو نختلف بشأن سياساتها، لكنها من ركائز المنطقة. هناك شعب تعداده ٩٠ مليونا وينتمى لحضارة عريقة، ولن يستقبل الغزاة بالورود.
ثم إن الحكم الإيرانى يدرك أن رأسه هى الهدف، وليس برنامجه النووى فقط. سيكون التفكيك مقدمة لإسقاطه. كما أنه سيفقد شرعيته لو وافق على ذلك.
إنهاء المشكلة الإيرانية على الطريقة الأمريكية الإسرائيلية سيكون الخطوة الأهم فى إعادة رسم خريطة المنطقة لتدخل رسميا الزمن الإسرائيلى، بما يعنى ضم كامل الأراضى الفلسطينية وامتداد المظلة الإسرائيلية إلى المشرق العربى بأكمله وإيران، وقيام دويلات للأكراد والدروز والعلويين. محادثات عُمان تهُمنا، ويجب ألا نكون بعيدين عنها.
المصري اليوم