مكاسب عديدة حققتها الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، إلى مصر الأسبوع الماضى، حيث جاءت فى توقيت بالغ الأهمية إقليمياً ودولياً، لتعكس عُمق العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وباريس، وتؤكد على دور مصر المحورى فى تحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وتهدئة الأوضاع فى قطاع غزة وتنسيق الجهود الإنسانية والدبلوماسية على الساحة الدولية.
فقد شهدت الزيارة سلسلة من اللقاءات والمباحثات المكثفة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، تناولت أبرز ملفات التعاون الثنائى والقضايا الإقليمية وفى مقدمتها وقف الحرب على غزة، وأمن الممرات البحرية، والاستقرار فى المنطقة.
وحصدت القاهرة مكاسب سياسية ودبلوماسية تعزز مكانتها الإقليمية والدولية، وتدعم جهودها الرامية لتحقيق التهدئة وضمان وصول المساعدات، وحماية الأمن القومى المصرى والعربى.. إلى جانب مكاسب اقتصادية بعد توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجانبين تجاوزت قيمتها 262 مليون يورو، ما يعكس ثقة فرنسا والاتحاد الأوروبى فى الاقتصاد المصرى.
هذه الزيارة الفرنسية رفيعة المستوى، استطاعت أن تُجدد الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وباريس، وأعادت التأكيد على أن العلاقات بين البلدين قائمة على الرؤية المشتركة لمستقبل الشرق الأوسط، بما يُعزز جهود السلام الإقليمى، ودور مصر الفاعل فى هذه الجهود.
كما حققت الزيارة مكاسب لصالح القضية الفلسطينية ودعم المساعى المصرية لوقف إطلاق النار فى غزة واستكمال اتفاق التهدئة، إلى جانب إعلان الرئيس ماكرون صراحة تأييد فرنسا الكامل للمبادرة المصرية العربية الإسلامية لإعادة إعمار القطاع، مع تأكيده رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم التاريخية أو ضم أراضٍ فلسطينية لإسرائيل، وهذا مكسب سياسى يُعزز الطرح المصرى أمام المجتمع الدولى.
ورسخت زيارة الرئيس الفرنسى إلى مدينة العريش والاجتماعات مع الهلال الأحمر والمنظمات الدولية، صورة مصر كممر رئيسى لمساعدة غزة، وأبرزت النجاح فى تنسيق الإغاثة مع الشركاء الدوليين وعلى رأسهم فرنسا.. كما حصلت القاهرة على دعم فرنسى واضح لضمان أمن قناة السويس، ما يساهم فى حماية إيرادات القناة ويُعزز مكانتها كممر ملاحى عالمى خاصة مع مشاركة فرنسا فى المهام البحرية الدولية.. وجدد الجانبان المصرى والفرنسى رفضهما لأى تدخلات أجنبية فى ليبيا وسوريا ولبنان، ما يعكس انسجاماً فى المواقف يُعزز الدور المصرى فى حل أزمات الإقليم.
ومن أبرز مكتسبات الزيارة، أنها عززت صورة مصر كقوة إقليمية لديها قدرة على التنسيق مع قوى كبرى مثل فرنسا، فى ملفات الأمن والإغاثة وإعادة الإعمار، وجعلت القاهرة مركزاً دبلوماسياً رئيسياً فى مسارات التهدئة الإقليمية.
رغم أن هذه الزيارة هى الرابعة لماكرون إلى مصر، إلا أنها تبقى متميزة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، بداية من الوفد المصاحب للرئيس الفرنسى الذى ضم وزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد والصحة والنقل والبحث العلمي، إلى جانب جدول الزيارة المزدحم والذى شمل جولات بصحبة الرئيس السيسى إلى عدة أماكن فى مصر لعل أبزرها منطقة خان الخليلي، وتضمن جدول الأعمال أيضاً مشاورات ومباحثات موسعة حول مستقبل التعاون الثنائى والتنسيق الإقليمى والدولي.
حِرص الرئيس الفرنسى على زيارة المتحف المصرى الكبير فور وصوله القاهرة، ما يعكس الاهتمام الفرنسى المعهود بالحضارة المصرية العريقة، حيث أبدى ماكرون انبهاره بالتنظيم الدقيق وطريقة عرض أكثر من 50 ألف قطعة أثرية بالمتحف بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، كما وقف طويلاً يتأمل تمثال رمسيس الثانى متأثراً بعظمة الحضارة المصرية، مشيداً بالجهود المبذولة فى الحفاظ على التراث.. ولطالما كانت الحضارة الفرعونية مصدر شغف وافتنان شرقاً وغرباً، وخاصة عند الفرنسيين، بداية من حملة نابليون بونابرت وفك رموز الكتابة الهيروغليفية، وصولاً إلى مسلة الأقصر فى ساحة الكونكورد بباريس، وحتى المعارض التى تجذب ملايين الزوار ليتمتعوا بمشاهدة الحضارة المصرية وما بها من آثار خالدة.
وكان هناك حفاوة كبيرة فى استقبال الرئيس السيسى لنظيره الفرنسي، والترحيب بزيارته لمصر، حيث اصطحبه فى جولة بالقاهرة التاريخية وتحديداً منطقة خان الخليلى العريقة، وسط حشود المئات من المواطنين المصريين الذين هتفوا بحب الرئيس السيسى والترحيب بالرئيس الفرنسى وزيارته لخان الخليلي، والتقطوا العديد من الصور التذكارية مع الزعيمين.
هذا الاحتفاء الكبير من الرئيس السيسى والمصريين، عبّر عنه الرئيس الفرنسى عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعى “إكس” حيث كتب: “شكراً لفخامة الرئيس السيسى وللشعب المصرى على هذا الاستقبال الحار.. هذه الحماسة، وهذه الأعلام، وهذه الطاقة التى تليق بخان الخليلي.. تحية نابضة للصداقة التى تجمع بين مصر وفرنسا”.
وفى ختام زيارته كتب الرئيس الفرنسى رسالة مؤثرة لمصر والمصريين عبر حسابه بموقع “إكس”، قائلاً: “أغادر مصر بعد 3 أيام مؤثرة، رأيت فيها نبض القلوب فى ترحيبكم الكريم فى قوة تعاوننا، فى الدعم الذى نقدمه معاً لأهالى غزة.. فى العريش حيث يقاوم الأمل الألم.. شكراً لكم.. وتحيا الصداقة بين شعبينا”.
ومثل هذه الرسالة الحقيقية والمعبرة الصادرة من زعيم أوروبى تساهم بشكل كبير فى المشهد الإقليمى ودور مصر المحورى فيه.
لهذا من الأهمية بمكان، أن تكون زيارات قادة دول العالم لمصر على نفس الشاكلة، وتخرج بهذه الصورة المبهرة.
اليوم السابع