وفقا لنصوص الأناجيل فإن صلب المسيح حدث يوم الرابع عشر من نيسان العبرى، والقيامة حدثت صباح الأحد الذى يليه.
يبدأ العام فى التقويم العبرى فى شهر نيسان والذى يحتفل فيه بعيد الفصح وفقا لنص التوراة.
والتقويم العبرى يعتمد على الشهور القمرية التى تبدأ بظهور الهلال الجديد. ولأن 12 شهرا قمريا أقصر من السنة المدارية بنحو 11 يوما، ستتحرك بداية العام مبتعدة عن فصل الربيع.
ولكى يستمر هذا التزامن بين بداية العام وفصل الربيع كان يتم إضافة شهر إضافى كل عامين أو ثلاثة أعوام حتى يبقى فصل الربيع فى مكانه فى شهر نيسان.
ويتراوح موعد عيد الفصح اليهودى حاليا بين يومى 25 مارس و24 أبريل.
ليس هناك ما يدل على أن المسيحيين المبكرين فى القرن الأول الميلادى كان لديهم عادة الاحتفال سنويا بآلام وقيامة المسيح. ولكن بحلول منتصف القرن الثانى الميلادى ظهرت طريقتان للاحتفال بقيامة المسيح مرتبطتان بموعد عيد الفصح اليهودى كما نصت الأناجيل.
الأولى هى الاحتفال به فى الأحد التالى للفصح وهو التقليد الذى انتشر فى الإسكندرية وروما وأورشليم، والثانية هى الاحتفال به فى نفس يوم الفصح اليهودى أى يوم الرابع عشر من نيسان وهو التقليد الذى كان يتبع فى سوريا وآسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرين وهو الفريق الذى سمى بالأربعة عشريين.
وبالتالى وحتى القرن الرابع الميلادى كان المسيحيون فى مناطق العالم القديم المختلفة يحتفلون بآلام المسيح وقيامته فى مواعيد مختلفة.
نوقش الخلاف على تحديد موعد الفصح فى مجمع نيقية عام 325 بهدف أن يحتفل كل المسيحيين فى موعد واحد. تم الاتفاق فى المجمع على أولا توحيد موعد الاحتفال بالعيد بين كل المسيحيين، وثانيا عدم الاحتفال بالعيد مع اليهود وعدم الاعتماد على تقويمهم فى تحديد العيد، وثالثا عدم الاحتفال بالعيد مرتين فى عام واحد. ولكن كيف سيتم تنفيذ ذلك والعيد مرتبط ارتباطا مباشرا بعيد الفصح اليهودى؟
لحل هذه المعضلة تم تبنى القاعدة الحسابية المتبعة فى كنائس الإسكندرية وروما وهى أن يكون عيد القيامة: فى الأحد الأول بعد أول اكتمال للقمر فى أعقاب الاعتدال الربيعى والذى كان يوافق وقتها وفقا للتقويم اليوليانى يوم 21 مارس.
- • •
الأبُقطِى هى طريقة حسابية تستخدمها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ القرون الأولى ومعها الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وتعتمد على الدورة الميتونية لحساب موعد الفصح اليهودى – الرابع عشر من نيسان – أى اكتمال القمر وبناءً عليه يصبح الأحد التالى هو أحد عيد القيامة.
والدورة الميتونية مبنية على أن 19 سنة شمسية كاملة يساوى 235 شهرا قمريا.
وبناء على ذلك يتم حساب موعد عيد الفصح اليهودى فى 19 عاما ثم يتم تكرار هذه الدورة ولكنها فى النهاية طريقة تقريبية.
وبناء على هذه الطريقة يتراوح عيد القيامة دائما بين يومى 26 برمهات و30 برمودة وهو ما يوافق حاليا يومى 4 أبريل و8 مايو.
وفقا للحساب الأبقطى يوافق الرابع عشر من نيسان فى العام الميلادى 2024 يوم 28 أبريل وهو يوم أحد.
ووفقا لقاعدة نيقية لا يجوز الاحتفال بالعيد فى نفس يوم الفصح اليهودى إذا يصبح عيد القيامة فى الأحد التالى وهو 5 مايو.
ولكن هل كان اكتمال القمر بالفعل يوم 28 أبريل؟ الحقيقة أن اكتمال القمر لشهر نيسان فى عام 2024 حدث يوم 22 أبريل. وهو ما يعنى أن الطريقة بهذا الشكل غير دقيقة.
سبب عدم دقة الطريقة هو أن متوسط الشهر القمرى وفقا للحساب الأبقطى أطول من الشهر القمرى الحقيقى بـ22 ثانية.
وهو ما يعنى تأخر القمر الحسابى عن القمر الفعلى بمقدار يوم كل 308 سنة.
أى إن الطريقة كانت دقيقة فى القرون الأولى وبدأت فى تراكم الخطأ تدريجيا مع مرور السنوات وهو ما نراه من متابعة تاريخ اكتمال القمر وفقا للأبقطى ومتابعته مع التقويم الهجرى القمرى عبر القرون الماضية.
فعلى سبيل المثال فى عام 708 للشهداء الموافق لسنة 992 ميلادية كان القمر المكتمل يوافق يوم 14 محرم 382 هجريا مما يعنى أن الطريقة كانت صحيحة حتى ذلك الزمن.
بينما فى العام 1660 للشهداء الموافق لعام 1944 ميلادية أى بعد مرور ألف عام كان القمر المكتمل يوافق يوم 18 جمادى الثانى من العام 1363 هجريا أى متأخرا بأربعة أيام عن موعد القمر المكتمل الفعلى.
وبالتالى وبعد مرور أكثر من 1800 عام على وضع قواعد الحساب الأبقطى يكون قد تراكم خطأ قدره 5 أيام.
ولهذا وفى كل دورة مكونة من 19 عاما يتفق حاليا موعد العيد مع موعده الصحيح فقط فى ثلاث مرات فى كل دورة.
- • •
كان معظم مسيحيى العالم يعيدون بعيد القيامة فى يوم واحد رغم الانقسام وتفرق الكنائس حتى القرن السادس عشر. فى العام 1582 قرر البابا غريغوريوس الثالث عشر – بابا روما – تصحيح التقويم اليوليانى بعدما لوحظ أن الاعتدال الربيعى فلكيا لم يعد يحدث فى الحادى والعشرين من مارس كما كان وقت مجمع نيقية بل أصبح يحدث مبكرا عن هذا التاريخ بعشرة أيام. تم تصحيح التقويم بخصم العشرة أيام وتزامن مع تبنى التقويم الجديد تعديل طريقة حساب القمر المكتمل الأول بعد الاعتدال الربيعى، بعد ملاحظة أنه فى القرن السادس عشر أصبح القمر الفلكى يحدث قبل القمر الحسابى بأربعة أيام وفقا للطريقة القديمة، وهو نفس الخطأ الذى تراكم فى الحساب الأبقطى.
هذه الطريقة المعدلة تنجح فى حساب موعد قمر الفصح المكتمل بدقة كاملة فى ثمانى سنوات من سنوات الدورة، بينما يكون هناك خطأ بمقدار يوم واحد زائد فى سبع سنوات ويوم واحد ناقص فى سنة واحدة وإن لم يؤثر ذلك فى موعد العيد. أى إن الطريقة شبه صحيحة فى 16 عاما من أصل 19 عاما هى عمر الدورة المتكررة. وتتبع الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الغربية الأخرى هذه الطريقة منذ ذلك الحين.
ولهذا لا يتفق موعد العيد بين الكنائس الشرقية والغربية إلا كل عدة سنوات بينما يختلف الموعد لاختلاف طريقة الحساب فى معظم السنوات. ولكن هل يمكن توحيد موعد العيد بين الفريقين؟
نوقش الأمر عام 1994 فى مجلس كنائس الشرق الأوسط وتم الاتفاق على أن تلتزم كل الكنائس فى الشرق الأوسط بما فيها الكنائس الكاثوليكية على أن تعيد وفقا للحساب التقليدى القديم للكنائس الأرثوذكسية. وهو ما نفذ بالفعل بعدها ويعتبر الخطوة الناجحة الوحيدة التى تمت فى ذلك السياق.
فى عام 1997 عقد اجتماع تشاورى لمجلس الكنائس العالمى فى مدينة حلب السورية تم الاتفاق فيه على: أولا الحفاظ على القواعد المتفق عليها فى نيقية. وثانيا أن يكون العيد فى الأحد الأول بعد القمر الأول وفقا للحساب الفلكى بعد الاعتدال الربيعى الفلكى وفقا لخط العرض الذى تقع عليه مدينة أورشليم.
تم إرسال هذه المقترحات إلى كل كنائس مجلس الكنائس العالمى والردود كانت فى معظمها مرحبة. إلا أنه لم يتم اتخاذ أى خطوات فى اتجاه تنفيذ ذلك. نتمنى على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المبادرة بحل هذه المشكلة ويمكن أن يتم ذلك عبر أى من الحلول المقترحة التالية:
الاقتراح الأول هو الاعتماد على الحساب الفلكى بديلا عن الحساب الأبقطى وهو ما سبق أن طرح فى مجلس الكنائس العالمى.
الاقتراح الثانى هو تصحيح الحساب الأبقطى وتعديله لتقليل الخطأ الحسابى فى حساب يوم الفصح وإن كنت لا أرى أن ذلك ممكن دون تصحيح التقويم القبطى كذلك وهو ما ناقشناه فى مقال سابق.
الاقتراح الثالث هو تبنى طريقة الحساب الغريغورية على شرط الاتفاق مع الكنائس الأخرى بما فيها كنيسة روما على تصحيح الخطأ بهذه الطريقة والذى يحدث فى بعض السنوات ويجعل عيد القيامة يجىء قبل الفصح اليهودى وليس بعده.
الاقتراح الرابع هو تحديد موعد ثابت للعيد بحيث يكون دائما يوم أحد لاحق للفصح اليهودى دون التقيد بكونه أول أحد. وبما أن الفصح اليهودى يتحرك حاليا بين يومى 25 مارس و24 أبريل قد يكون من المناسب اختيار الأحد الأخير (وليس الأحد الثانى أو الثالث كما اقترح سابقا) من شهر أبريل لإقامة عيد القيامة، حينها سيكون موعده دائما ما يتراوح بين يومى 24 و30 أبريل. ولاحترام قاعدة عدم الاحتفال مع اليهود فى يوم واحد يتم تحريك العيد لليوم الأول من شهر مايو إذا وقع عيد الفصح اليهودى يوم 24 أبريل (وهو ما لا يحدث إلا كل سنوات طويلة).
الشروق المصرية