ترند24 - في عام 553 م، اجتمع قادة الكنيسة المسيحية في مدينة القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) لانعقاد المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية.
يُعد هذا المجمع الخامس في سلسلة المجامع المسكونية المعترف بها من قبل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية، ويحظى بأهمية بالغة في تشكيل العقيدة المسيحية وتحديد مسار تاريخ الكنيسة.
الخلفية التاريخية والسياسية
جاء انعقاد المجمع في فترة شهدت اضطرابات لاهوتية وسياسية في الإمبراطورية البيزنطية. كان الإمبراطور جستنيان الأول يسعى إلى تحقيق الوحدة الدينية في الإمبراطورية وتجاوز الخلافات العقائدية التي نشأت في المجامع المسكونية السابقة، خاصة فيما يتعلق بطبيعة المسيح.
كانت القضية الرئيسية المطروحة على بساط البحث هي ما يُعرف بـ “الخلاف حول الفصول الثلاثة”. تتعلق هذه القضية بكتابات ثلاثة لاهوتيين من القرن الخامس (ثيودوريطس أسقف قورش، وإيباس أسقف الرها، ورسالة من إيباس إلى مارينوس الفارسي) يُنظر إليها على أنها تحمل نزعات نسطورية (تنكر الاتحاد الكامل بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح).
أهداف المجمع وأعماله
كان الهدف الرئيسي للإمبراطور جستنيان من الدعوة إلى هذا المجمع هو:
إدانة “الفصول الثلاثة”
بهدف تهدئة المخاوف الأرثوذكسية من أن بعض الكتابات القديمة تقوض عقيدة الاتحاد الأقنومي (الاتحاد الكامل بين الطبيعتين الإلهية والإنسانية في شخص المسيح الواحد).
تحقيق الوحدة الكنسية
السعي إلى رأب الصدع بين الفصائل المختلفة داخل الكنيسة وتوحيد العقيدة في جميع أنحاء الإمبراطورية.
تأكيد قرارات المجامع السابقة
إعادة التأكيد على صحة وقانونية المجامع المسكونية الأربعة الأولى (نيقية الأول، القسطنطينية الأول، أفسس، خلقيدونية).
خلال جلسات المجمع، التي استمرت من مايو إلى يونيو عام 553 م، ناقش الآباء المجتمعون النصوص المتنازع عليها وقاموا بتحليلها في ضوء الكتاب المقدس وتقاليد الكنيسة وقرارات المجامع السابقة. وفي النهاية، أصدر المجمع إدانة رسمية لـ “الفصول الثلاثة” وشخصياتها الرئيسية.
أهمية المجمع وتأثيره
يُعد المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية علامة فارقة في تاريخ المسيحية لعدة أسباب:
تأكيد العقيدة الأرثوذكسية
ساهم المجمع في توضيح وتأكيد العقيدة الأرثوذكسية بشأن طبيعة المسيح وعلاقته بالثالوث الأقدس، ورفض أي تفسيرات قد تؤدي إلى الفصل بين لاهوته وناسوته.
تعزيز سلطة المجامع المسكونية
أكد المجمع على السلطة الملزمة لقرارات المجامع المسكونية السابقة وأهميتها في الحفاظ على وحدة الإيمان.
تأثير على العلاقات بين الشرق والغرب
على الرغم من أن المجمع سعى إلى تحقيق الوحدة، إلا أن قراراته أثارت بعض الجدل في الكنيسة الغربية (خاصة فيما يتعلق بإدانة بعض الشخصيات التي كانت تحظى بتقدير في الغرب)، مما ساهم في تعميق الاختلافات بين الكنيستين الشرقية والغربية على المدى الطويل.
تأثير على الفكر اللاهوتي اللاحق
شكلت قرارات المجمع مرجعًا هامًا لللاهوتيين والكنسيين في القرون اللاحقة، وساهمت في تطور الفكر المسيحي.
في الختام، يظل المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية حدثًا محوريًا في التاريخ المسيحي. لقد كان محاولة جادة لمواجهة التحديات اللاهوتية والسياسية في عصره، وساهم بشكل كبير في صياغة العقيدة المسيحية وتحديد مسار الكنيسة، تاركًا إرثًا دائمًا لا يزال يؤثر على الفهم المسيحي للإيمان حتى يومنا هذا.