ترند24 - تعتبر قصة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام من أروع وأكثر قصص الأنبياء والمرسلين عبرة وعظة في القرآن الكريم.
فهي تحمل في طياتها دروسًا عميقة لمن كان له قلب واعٍ أو ألقى السمع وهو حاضر الذهن.
وقد خصصت سورة كاملة في القرآن الكريم لسرد قصة نبي الله يوسف عليه السلام بتفاصيلها الدقيقة.
نزلت هذه السورة المباركة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة قبل هجرته إلى المدينة المنورة.
وكان سبب نزولها موقفًا تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض الكفار واليهود الذين أرادوا تعجيزه بسؤاله عن سبب هجرة آل يعقوب من الشام إلى مصر.
وقد ذكر النسفي في تفسيره أن كفار مكة التقوا ببعض اليهود وتباحثوا في أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال لهم اليهود: “سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟!”
فكانت سورة يوسف هي الإجابة الشافية والتفصيلية لهذا السؤال ولغيره من العبر.
قصة نبي الله يوسف عليه السلام:
إنها قصة من قصص الأنبياء التي ينبغي على كل إنسان، صغيرًا كان أم كبيرًا، أن يستخلص منها العبر والعظات القيمة في حياته.
قال الله تعالى في كتابه العزيز بسورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 2-4].
في طفولته، رأى نبي الله يوسف عليه السلام رؤيا عظيمة في منامه، حيث رأى أحد عشر كوكبًا، والشمس، والقمر يسجدون له.
وقد كان تأويل هذه الرؤيا أن الأحد عشر كوكبًا هم إخوته الأحد عشر رجلًا، أما الشمس فقيل إنها أمه نظرًا لتأنيثها، والقمر فهو أبوه نبي الله يعقوب عليه السلام.
وعندما قص يوسف رؤياه على أبيه، طلب منه يعقوب ألا يذكرها لأحد من إخوته خشية كيدهم وحسدهم له، فقال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 5-6].
محبة أبيه له:
عندما تزوج سيدنا يعقوب عليه السلام من راحيل، لم تنجب له إلا بعد سنوات من الزواج.
وعندما حملت للمرة الأولى، أنجبت له سيدنا يوسف عليه السلام، وكان عمر يعقوب حينها واحدًا وتسعين عامًا.
وبعدها حملت مرة أخرى بأخيه الشقيق بنيامين، وتوفيت عقب ولادتها به. كان يوسف عليه السلام يبلغ من العمر سنتين فقط حينها، وكان أحب الأبناء إلى قلب أبيه يعقوب عليه السلام.
كيد إخوته ومكرهم به:
لم يمض وقت طويل على رؤيا يوسف حتى بدأ إخوته يظهرون ما خشي منه والدهم، وهو كيدهم وحسدهم الشديد تجاه أخيهم.
فقد بدأوا يتجادلون فيما بينهم عن محبة أبيهم ليوسف وحده وإيثاره الدائم له دونًا عنهم جميعًا، ومكانة يوسف الخاصة في قلب أبيهم.
وبالفعل، كان يوسف عليه السلام أحبهم إلى أبيه. وعندما وصل إليهم خبر الرؤيا التي رآها يوسف في منامه، اتفقوا فيما بينهم على التخلص منه، وأظهروا حسدهم ومكرهم به.
كانوا يرون من وجهة نظرهم أنهم أحق بمحبة أبيهم لأنهم الأكبر سنًا والأكثر نفعًا وقدرة على خدمة مصالح أبيهم ومواجهة صعاب الحياة.
كانوا يقللون من شأن يوسف وأخيه بنيامين لصغرهما وضعفهما، ويرون أنهما يستوليان على قلب أبيهم دون وجه حق.
من هنا نشأت في قلوبهم أفكار مليئة بالحقد والحسد والبغضاء، وتآمروا للتخلص من أخيهم يوسف بشكل نهائي ليخلو لهم الطريق إلى قلب أبيهم.
قال تعالى في كتابه العزيز بسورة يوسف: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ} [يوسف: 8-14].
اصطفائه عليه السلام:
لقد من الله سبحانه وتعالى على عبده ونبيه يوسف عليه السلام بالحكمة والنبوة منذ صغره، وبداية ذلك كانت الرؤيا التي رآها والتي تحققت بعد سنوات طويلة من الابتلاء الشديد. فهذا هو حال الأنبياء والرسل، طريقهم مليء بالابتلاءات.
فبعد مكر إخوته به وإلقائه في البئر وبيعه بثمن بخس ودخوله منزل عزيز مصر ونشأته فيه، ووقوع امرأة العزيز في حبه ومراودته عن نفسه وامتناعه عنها، ثم دخوله السجن ظلمًا.
مر يوسف عليه السلام بالكثير من الصعاب وقضى سنوات في السجن، ولكنه كان يتمتع بعلم تأويل الرؤى، وقد أول رؤى من كانوا معه في السجن ورؤيا ملك مصر.
وكانت رؤيا الملك سببًا في معرفة الملك بأمر يوسف وقصته، وأن جعله عزيز مصر.
وفي نهاية المطاف، شاء الله سبحانه وتعالى أن يأتي إخوته من الشام إلى مصر بسبب القحط، ليقفوا أمام أخيهم الذي تآمروا عليه وتخلصوا منه يومًا ما بإلقائه في البئر، وليتفاجؤوا بمكانته الرفيعة وتمكينه في الأرض، وليعيد الله سبحانه وتعالى إليه أهله وليتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب كما أتمها على آبائه من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
اقرأ المزيد: صيام الأيام البيض وست شوال كصيام الدهر