ترند24 - ترند24: كان هنالك عربا يسكنون الصحاري، وجرت عليهم عادة التنقل من مكان لآخر بحسب تواجد الماء به والعشب بحثا عن الحياة لهم ولمواشيهم، وكان من بينهم رجل له والدة طاعنة في السن وقد كان وحيدها، ووالدته هذه كانت معظم الأوقات تفقد ذاكرتها وتهذي بكلمات تقلل من شأن ابنها أمام قومه، كانت تخشى مفارقته لها، وكل ذلك يجعله منزعجا منها ومن التواجد بالمكان الذي تتواجد فيه من وجهة نظره القاصرة حينها.
وعندما أرادوا الانتقال كعادتهم طلب الرجل من زوجته أن تترك والدته بمكانها وأنها لن تذهب معهم، وأن تترك بجانبها طعاما وماءً حتى يأتي من يأخذها ويخلصهم منها أو تموت! وكان الأمر العجيب والأكثر عجبا من طلبه هو رد فعل زوجته إذ قالت له: “أبشر يا زوجي العزيز، لك ما تريد”.
وبعد الفجر شد القوم جميعهم الرحال، فتركت الزوجة والدة زوجها كما أمرها زوجها، ولكنها أيضا فعلت أمرا عجيبا بجانب طلبه، لقد تركت ابنهما الوحيد مع جدته، وتركت بجانبهما الزاد والزواد، وكان طفله له مكانة خاصة بقلب أبيه فكلما أنهى أداء كل المهام أرسل في طلبه ليداعبه ويلاطفه.
وعندما انتصف النهار جلس القوم ليستريحوا من عناء الطريق، وكل جلس مع أسرته، فطلب الزوج ابنه كعادته فقالت له زوجته: “لقد تركته مع والدتك، فنحن لا نريده”.
فصرخ في وجهها: “ماذا؟!”
فقالت له زوجته: “خذها نصيحة مني ابنك هذا هو بنفسه من سيلقي بك في الصحراء كما فعلت مع والدتك”!
فوقعت الجملة على قلبه كالصاعقة، أيقن حينها بمدى الخطأ الفادح الذي ارتكبه في حق والدته، فسرج فرسه وأسرع أملا في أن يغيث والدته وابنه من السباع الضارية، فقد جرت العادة على السباع والذئاب والوحوش الكاسرة أنها تنزل محل العرب بعد ترحالهم ليتفقدوا مكان تواجدهم ويأكلوا مما ترك القوم من بقية طعام أو جيف مواشي وما شابه ذلك؛ وعندما وصل المكان وجد والدته قد ضمت لصدرها ابنه ولا تخرج منه إلا رأسه ليتنفس والوحوش تحيط بهما من كل مكان، فتلقف الحصى من جانبها وتلقي الوحوش بها قائلة: “إليكِ عنه إنه ابن ابني ولن أسمح لكِ بأذيته مهما كلفني الأمر”.
أظهر سلاحه وقتل عددا من الذئاب والبقية فروا من الخوف، انحنى وقبل رأس والدته، وحملها على فرسه هي وابنه وعاد بها للقوم؛ ومن يومها بات بارا لوالدته يقدم أمرها في كل شيء ويؤثرها على أي من كان، وكانوا إذا أرادوا الترحال كانت والدته أول من يضعها على جمله ويسير خلفها بفرسه، وازدادت محبة زوجته بقلبه بعدما أعطته درسا قاسيا غير كل حياته للأفضل.
الحكمة من القصة
علينا دوما أن نكون بارين بآبائنا، وأن نتفنن في طرق إسعادهما لننال رضا خالقنا بذلك.