النشاط النووي الإيراني يشغل العالم منذ أكثر من ستين عاماً، وتحديداً منذ عام 1957، حين وقّع شاه إيران محمد رضا بهلوي اتفاقاً مع الإدارة الأمريكية من أجل برنامج نووي، ومنذ ذلك التاريخ بدأت إيران تشعر بأنها على أعتاب دخول النادي النووي، وانضمت في عام 1968 إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وعندما حلّ عام 1974، بدأت شركة ألمانية في إنشاء أول محطة نووية، وتحمّس الشاه فأعلن أن بلاده ستمتلك سلاحاً نووياً، لكنه تراجع في خطاباته اللاحقة.
ومع تغيير النظام في إيران وسقوط الشاه في عام 1979 وتحوّل إيران إلى «جمهورية إسلامية»، بدأ الصراع الإيراني -الأمريكي على البرنامج النووي الإيراني، وقام النظام الإيراني الجديد بإلغاء صفقة بناء المحطة النووية، وكان من الطبيعي أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء الاتفاقية المبرمة مع إيران التي تقضي بتزويد طهران باليورانيوم المخصّب. وأول ملاحظة يمكن تدوينها في هذا السياق هي: موافقة الولايات المتحدة على (إيران نووية) في عهد الشاه، ورفضها في العهد الجديد. ولم يكن ذلك الموقف مقتصراً على الولايات المتحدة فقط، بل على دول أوروبية كثيرة من بينها ألمانيا وفرنسا.
قررت إيران أنها بحاجة إلى سلاح نووي بعد حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. وبعد ذلك أصبح البرنامج النووي الإيراني يشكّل قلقاً للغرب، فبدأت الضغوط، فيما سمحت المفاوضات الأمريكية الأوروبية مع إيران في وقت من الأوقات لإيران بامتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهي عالمة أن التقنية المتطورة يمكنها تحويل البرنامج السلمي إلى برنامج عسكري، فوجدوا في رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضمانة تمنع ذلك الانتقال، فانتقل البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة (مائعة)، ما بين تقارير الوكالة الدولية وبين الواقع، ما بين الاتهامات الأمريكية الأوروبية وبين الدهاء الإيراني، حتى حسم مسؤولون أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون الأمر في عام 2009، وأعلنوا لوسائل الإعلام أن إيران تبني مفاعلاً نووياً تحت الأرض من دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكان من الطبيعي أن تقوم إيران بنفي ذلك. لكن الوكالة كشفت في 18 فبراير/شباط 2010 عن توصّلها إلى دلائل شاملة حول سعي إيران لامتلاك رؤوس نووية.
وتوالت التقارير في عامي 2011 و2012 عن امتلاك إيران لبرنامج سري لتخصيب اليورانيوم، بل قال تقرير آخر إن إيران قامت بإجراء تجارب على أسلحة نووية، ما حدا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التصريح أمام الأمم المتحدة بأن إيران ستمتلك في غضون ستة أشهر القدرات اللازمة لصناعة قنبلة نووية، فردّ عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد عام وتحدّث في مقابلة مع تلفزيون إسرائيلي عن استحالة امتلاك إيران قدرات لصناعة أسلحة نووية قبل عام كامل، فردت عليه وكالة الطاقة الذرية في 23 فبراير/شباط 2013، بأنها اكتشفت موقعاً جديداً يحتوي على فلزات اليورانيوم، ثم في 28 أغسطس/آب 2013 أعلنت الوكالة عن تباطؤ في أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيراني!! ولا يزال مسلسل البرنامج النووي يُعرض في وسائل الإعلام حتى اليوم، مع العلم أن التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لم تتوقف على مدى العشرين سنة الماضية، واستمرت إيران لا تبالي بتلك التهديدات أيضاً.
وفي النهاية، نجد أنفسنا أمام مسلسل يشبه الرسوم المتحركة الشهير «توم وجيري»، ومعنا سؤال محيّر: هل تريد الولايات المتحدة والغرب السماح لإيران بامتلاك الطاقة النووية أو السلاح النووي أم لا؟ السؤال يطرحه التاريخ وليس المراقب، السؤال تطرحه أكثر من ستين عاماً من الفكرة الحاضرة، وأكثر من ثلاثين عاماً من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، السؤال يطرحه زعماء البيت الأبيض الذين تناوبوا على إدارة الولايات المتحدة منذ عام 1957. والسؤال تطرحه المنطقة بكل ترقّبها ومراقبتها، والسؤال يطرحه سباق التسلح لسنوات طويلة الذي جعل المنطقة على فوهة بركان.
من يقرأ التسلسل الزمني لقصة البرنامج النووي الإيراني سيخرج لا محالة بانطباع يحمل نظرية المؤامرة. فهل تريد الولايات المتحدة الاستمرار في هذه السيناريوهات التي تبعث الرعب في قلوب مواطني منطقة الشرق الأوسط لأغراض سياسية واقتصادية؟ أم أنها عاجزة عن إيجاد حل لهذا البرنامج (السحري)، أم أنها تتعمّد المراوغة لإبقاء الحال على ما هو عليه، وإبقاء التوتر في المنطقة على أشدّه؟
فهل الولايات المتحدة والغرب لديهما قناعات راسخة بأن إيران دخلت النادي النووي منذ سنوات، والمواجهة معها ستكون كارثية؟ وهل قرّرت أمريكا وإسرائيل إضعاف إيران عن طريق القضاء على أذرعها العسكرية في لبنان وفلسطين والعراق واليمن؟ وهذا التساؤل الأخير يطرحه كثيرون، لكن ما نفع القضاء على الأذرع العسكرية إذا كانت إيران تمتلك السلاح النووي؟
قد لا يعلم كثيرون أن المفاوضات عادت إلى المربع الأول أكثر من مرة، ويبدو أن المفاوضات التي من المقرر لها أن تكون قد بدأت في سلطنة عمان أمس الأول، ستكون كسابقاتها، وذلك لضبابية الرؤية والمطالب، وضبابية العلاقة بين الطرفين.
الخليج الاماراتية